عظة الاحتفال بعيد الطوباوي الأب ألبرونيوني
روما، 26 تشرين الأول 2024
(1 قورنتس 9، 16-23؛ يوحنا 14، 1-14)
إخوتي وأخواتي الأعزاء،
ليكن سلام الرب معكم!
كان الأب ألبرونيوني رسولًا مبشّرًا حديثًا قبل أن يُطرح مفهوم التبشير الجديد. كان قد أدرك أن وسائل الإعلام كانت بالفعل، ولا تزال اليوم أكثر من أي وقت مضى، هي المكان الذي يلتقي فيه العالم مع الله. إذا كان الله قد تجلّى في الكلمة، في الكلمة المتجسّد، فكان من الضروري أن نكون حاضرين حيثما تتجسد الكلمة. نعيش في عالم مليء بالصور والكلمات. وسائل التواصل الاجتماعي تغمرنا يوميًا بكلمات من كل نوع. من الضروري أن نكون حاضرين في هذا العالم الجديد. وكان أول همٍّ هو أن نحمل كلمة الله إلى هذا العالم الإعلامي الجديد.
لهذا نحن هنا اليوم. للاحتفال بهذا القديس وبما قام به على مر السنين، والذي قد جلب الراحة والبركة والدعم لأجيال من المؤمنين في جميع أنحاء العالم، وجعل كلمة الله قريبة ومفهومة، ومن خلالها، جعلنا نتعرف أكثر على شخص يسوع.
الإنجيل يساعدنا في اتخاذ خطوة مهمة في فهم ما نحتفل به. في هذا المقطع، يعلن يسوع أنه هو الباب المؤدي إلى معرفة الله: "أنا هو الطريق والحق والحياة. لا يأتي أحد إلى الآب إلا بي" (يوحنا 14، 6). وعلاوة على ذلك، يقدم نفسه كوحدة لا انفصال فيها مع الله الآب، "أنا في الآب، والآب فيَّ" (يوحنا 14، 11).
إنها تأكيدات غير مسبوقة إذا فكّرنا في الأمر جيدًا. نحن معتادون على سماعها لدرجة أنه ربما لم نعد نلتفت إليها. هذا المقطع من الإنجيل يكشف لنا من هو الله وكيف يمكننا الوصول إليه. الله الذي لا يمكن الوصول إليه ولا نراه، هنا يصبح قريبًا وملموسًا. يسوع هو وجه الله، ومن خلال تأملنا فيه نرى الله ونعرف الحق.
يستمر هذا المقطع في طرح معضلة جميلة للحوار بين الأديان: كيف نتبادل الحوار مع الأديان الأخرى إذا كان يسوع هو الطريق الوحيد نحو الله وملكوته؟ إذ لا توجد طريقة أخرى لمعرفة الحق إلا من خلال يسوع؟ فكرة الحقيقة العامة الغامضة التي تُقدّمها جميع الأديان كما لو كانت شهادة مشتركة هي فكرة غريبة على المسيحية.
الإجابة على هذا السؤال هي أنه، رغم صحة أن بعض المسيحيين والكنائس قد تصرّفوا بتعالي في تقديم الإنجيل، إلا أن السياق الكامل لهذا المقطع يوضح أن هذا التعالي يتعارض مع الحقيقة التي يدّعون أنهم ينقلونها. الحقيقة، الحياة، التي من خلالها نعرف ونجد الطريق، هي يسوع نفسه. ليس يسوع مجردًا أو عامًا، بل هو من غسل أقدام تلاميذه وطلب منهم أن يفعلوا مثله، هذا يسوع الذي يوشك أن يضحي بحياته كراعٍ من أجل الخراف. فلا ننسَ أن حديث يسوع هذا تم في العلية، بعد غسل الأقدام، في عشية آلامه. إذًا ليس فيه أيُّ تعالٍ. فقط عندما نستعيد شجاعة اتباع يسوع في المهمة والدعوة التي وردت في العلية، سنتمكن أيضًا من فهم معنى هذا الإعلان غير المسبوق: "أنا هو الطريق، والحق، والحياة".
إذا لم نفهم هذا، فلن نفهم أيضًا رؤية الآب التي يقدمها لنا هذا المقطع. انظروا إلى يسوع، الذي بكى على قبر صديقه، الذي غسل أقدام تلاميذه، وستعرفون من هو الله الحق. هذه هي إجابة يسوع على طلب فيلبس: "يا ربّ، أرنا الآب وحسبنا" (يوحنا 14، 8). إنها إجابته على الأسئلة العفوية التي تنشأ اليوم أيضًا في قلوبنا. عندما قال يسوع، بعد غسل أقدام تلاميذه، "أنا هو الطريق"، كان يقول لنا ما هو السبيل المحدد لمعرفة الآب، للوصول إليه، والشهادة له. فقط عندما نحقق ما فعله يسوع في العلية، سنُصدق عندما نتحدث عن الله، فقط حينها سنتمكن من تأمل في وجه الله الآب والشهادة له.
إذا فكرنا قليلاً في الأمر، نجد أن هذه هي قصة كل واحد منا. في سؤال فيلبس تكمن كل دعوتنا: البحث عن تأمل وجه الله. عادةً ما يبدأ هذا البحث بمشاريع نبيلة وعظيمة، مع تفاني ودوافع استثنائية، ليتصادم بعدها مع إنسانيتنا وإنسانية من نلتقي بهم في طريقنا. وهكذا، مع مرور الوقت، من أجل توضيح صورة ذلك الوجه التي تصبح أقل تطابقًا مع الصورة المثالية التي كنا قد كونّاها في البداية، نخفف من تطلعاتنا، ونتعرف أكثر فأكثر على أن وجهه يتجلى في قدرتنا اليومية على أن نغفر لبعضنا البعض، في الحب غير الكامل والمتقلب الذي نحمله في قلوبنا، في وجه الأخ والأخت المختلفين عنا والبعيدين منا، في الرغبة التي لا تكتمل أبدًا في اللقاء.
إذاً، في هذا الحب غير الكامل، في غسلنا المرهق لأقدام بعضنا البعض، الذي نعيشه برغبة صادقة في الحقيقة، بعيدًا قدر المستطاع عن أي شكل من أشكال التملك، فإننا نختبر يسوع وننظر في وجه الله.
يذكرنا هذا المقطع بآية من سفر المزامير: "أما أنا فببرك أرى وجهك، وفي استيقاظي أشبع من صورتك" (مزمور 17، 15). إن العدل الكتابي يكمن في مراعاة الوصايا، وفي عمل مشيئة الله. وفي هذا الخطاب الطويل لوداعه، يُسلمنا يسوع وصيته، وصية الحب، ويعرفنا مشيئته (يوحنا 13، 34). في الإنجيل نجد أسمى أشكال العدل التي بها يتم استعادة العلاقة بين الله والإنسان في تناغمها على الصليب، عندما قدّم يسوع حياته غافرًا لصالبيه. لذلك، في محبّتنا لبعضنا البعض نُكمل كل عدل ونتأمل وجه الله.
بقدرة الروح القدس نكتسب هذه النظرة الجديدة والمقدسة للعالم والحياة، والقدرة على محبة الكنيسة والأخوة رغم كل شيء، مع الحرية لمن يتأمل بالفعل وجه الله ويعيش في انتظار اكتمال اللقاء معه.
إننا بحاجة ماسة لهذا اليوم، ليس فقط في الأرض المقدسة. في ذلك السياق من الكراهية العميقة، والاحتقار، وفقدان الثقة، نحتاج إلى أن ننظر إلى الآب من خلال شخص يسوع، من خلال الصليب، من خلال القدرة على المغفرة، ومن خلال نظرة حرة على العالم وعلى الآخرين، دون أن نسمح للمخاوف أن تتغلب علينا وتعيقنا.
لدينا الأداة المثالية التي توجهنا في هذا الطريق: كلمة الله. فيها نجد الغذاء، والتوجيه، والدعم. في أحداث حياة إسرائيل القديمة والجماعة المسيحية الأولى، وفي حوارات يسوع، وأفعاله، نجد ما يلزمنا اليوم لخلق الوحدة في حياتنا، لتحديد معايير فهم ما يحدث من حولنا، ولاختياراتنا الصغيرة والكبيرة في الحياة.
من خلال هذه الطبعة الجديدة للكتاب المقدس باللغة العربية، أنا واثق أن جماعتنا المسيحية في الأرض المقدسة ستملك أداة إضافية للملاحة رغم المحن والعواصف التي تعصف في هذه الأرض المباركة والمجروحة.
لترافق كلمة الله طريقنا جميعًا وتمنحنا الحكمة والشجاعة في هذه الأوقات. آمين.
*ترجمة غير رسمية لإي اقتباس يرجى استخدام النص الأصلي باللغة الإيطالية – ترجمة مكتب الإعلام البطريركي