Logo
تبرع الآن

عظة عيد سلطانة فلسطين وسائر الأرض المقدسة

عظة عيد سلطانة فلسطين وسائر الأرض المقدسة

أيها الأخوة والأخوات الأعزاء،  

سلام الرب ومحبته معكم جميعاً.  

اليوم نجتمع بأعداد قليلة لنلتقي لأول مرة منذ بدء الحرب كأبرشية واحدة للصلاة.   

إننا نلتقي هنا وللمرة الأولى ككنيسة بسبب السيدة العذراء مريم. كالعادة الأمهات هنَّ اللواتي قادرات على جمع الأسرة. يجب أن أقول إنني مندهش قليلا من عدد الحاضرين، كنا نتوقع عددا أقل من الناس. كما أحيي أولئك الذين يتابعوننا عبر وسائل الإعلام وأشكر المركز المسيحي للإعلام القائم على البث المباشر.  

اليوم سنعيد تكريس كنيستنا وأبرشيتنا وأرضنا المقدسة الى أمنا مريم  للعذراء، سلطانة فلسطين. لقد قمنا بذلك عدة مرات. عادة، نقوم بذلك في لحظات صعبة للغاية في حياة كنيستنا. بالتأكيد، هذه واحدة من أصعب اللحظات في تاريخنا الحديث.  

"إعادة التكريس" يعني"التوكل على". هذا عمل مهم. لأنه عندما نتوكل على شيء، فإنك تعطيه ثقتك. في هذه اللحظة عندما يغمرنا هذا الشر ويجعلنا ننقلب على أنفسنا، نحتاج إلى أن نخرج من أنفسنا وأن نوكل أمرنا، أي أن نسلم ذاتنا لله من خلال مريم العذراء بكل ما لدينا وبكل ما في قلوبنا، حتى لا نحبس شيء في داخلنا.  

كل القراءات تتحدث عن عمل الله الخلاصي. "الخلاص العظيم": الخلاص الذي نتلقاه من الله بالمسيح. في هذه اللحظة، عندما نفكر في الخلاص نفكر في الخلاص من موقف معين نعيش فيه. نريد أن نخلص من كل هذه الحالات الرهيبة كالحرب والقنابل والكراهية التي تثقل قلوبنا.  

وذلك عين الصواب، نريد أن نكون في أمان. نريد أن ينتهي هذا في أقرب وقت ممكن، لكن لا ينبغي لنا فصل "الخلاصين". الخلاص الذي نتحدث عنه ليس فقط ما سنختبره في نهاية حياتنا وفي نهاية العالم. الخلاص هو أيضا خلاصنا. يسوع يخلصنا من أنفسنا، من الانسان القديم، من خطيتنا، ومن ضلالنا لنجد أنفسنا.  

إذا اختبرنا هذا الخلاص، يمكننا أن ننظر أيضا إلى الوضع الذي نعيشه اليوم بمنظور جديد ومختلف لأن الكلمة الأخيرة لا تأتي مما نعيشه في هذه اللحظة، بل من حقيقة الخلاص الذي لمسناه، أي من خلال يسوع المسيح. لذلك، علينا أن نصلي من لننال هذا الخلاص وأن ينتهي هذا الوضع المأساوي في أقرب وقت ممكن، ولنكون قادرين على النظر إلى ما نعيشه الآن بعيون مُخلَّصة. إذا كنت قد نلت الخلاص، فلا يمكنك أن تفقد الأمل. الثقة ليست كلمة فارغة.  

النقطة الثانية تكمن في نشيد تعظم الذي استمعنا إليه.   

نلخص ما جاء في هذه القراءة بكلمة واحد "انقلاب"، فالمتكبر سيتضع، وسينزل المتعالي عن الكراسي وسيرفع المتواضعين. علينا أن نقلب طريقة تفكيرنا. على ما يبدو أن الكلمة التي تقود مسار هذا العالم هي كلمة الأقوياء. ومع ذلك، في نشيد تعظم نستكشف أن هذا الصوت يجب أن يكون صوت المتواضعين. ونحن نؤمن بهذا. نحن نعيش لحظة من الظلام. لذا، من المهم أيضا الاطلاع على الأمر عن بُعد كي نتمكن من رؤية ما يقوم به فقراء الروح والصغار والمتواضعين.  

وأذكر في هذه اللحظة آية التطويبات: "طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الأرض". وهذا صحيح. لا يرث الأرض أولئك الذين يصنعون الدمار ويشعلون الحروب ويفعلون ما نراه الآن.  

كل ما نحن عليه اليوم من أماكن وجماعات وما نعيشه من مختلف المجالات الثقافية والفنية والاجتماعية، هو ثمرة عمل المتواضعين. حتى لو كان لدينا الآن انطباع بأن الكلمة الأخيرة في هذا العالم هي لأولئك الذين يتخذون القرارات بشأن مصير الشعوب، في الواقع ما نحن عليه اليوم، ما نفكر به، وما نشعر فيه، وخبرة عائلاتنا تشير إلى أن هذه الثمرة ليست لأولئك الأقوياء الذين يريدون التدمير، لكنها ثمرة المتواضعين والبسطاء الذين بنوا ما نحن عليه اليوم. هؤلاء هم الوديعون في انجيل التطويبات.  

في هذه اللحظة المظلمة، نريد أن نكون من البنائين، فالمتوقع منا بعد هذا الوضع سيكون صعبا للغاية. أنا لا أشير إلى إعادة البناء المادي فحسب ولكن أقصد إعادة بناء الثقة.  

لهذا السبب، سنحتاج إلى من هم ودعاء القلب، ومتواضعين وصغار في العالم. من خلالهم يمكننا الاستمرار في بناء أرض مليئة بالنعم والخيرات الجميلة وتوريثها للجيل القادم.   

لتعزينا العذراء القديسة وتكون مصدر راحة لنفوسنا وسط الألم فتنير قلوبنا بكلمات معزية. دعونا نصلي من أجل جماعتنا المسيحية ومن أجل جميع سكان الأرض. نطلب من الرب، على الرغم من كل شيء ، أن يدعو جميع الأمم لعيش التواضع وأن يكونوا مستعدين لبناء الثقة من جديد.  

 †  بييرباتيستا ببيتسابالا 

بطريرك القدس للاتين