“إذا نسيتُك يا قدس، لِيُصِبِ الشّللُ يميني” (مزمور ١٣٧ (١٣٦): ٥).
كثرتْ في هذه الأيّام البيانات بشأن القدس ومستقبلها والإعلانات. وأبدى الكلّ قلقه إزاء العنف والعواقب التي يصعب التّنبؤ عنها. وعبّر البابا فرنسيس، مشيرًا إلى مختلف قرارات الأمم المتّحدة ومجلس الأمن، عن قلق قداسته العميق حول القدس، مطالبًا بعدم اختلاق ذرائع جديدة تؤدّي إلى المزيد من العنف والظُّلم في الشّرق الأوسط. وشدّد قداسته أنّه يجب المحافظة على الوضع الرّاهن للمدينة ولمقدّساتها، على أساس العدل والتّعقّل بين أبناء الدّيانات الثّلاث وبين جانبَي القدس. ومن ناحية واقعيّة، تأثّرت المدينة منذ مدّة بتغييرات سريعة أحاديّة الجانب مخالفة للشّرعيّة الدّوليّة. فتأجّج الصّراع. وأتت الخطوات الأخيرة أحاديّة الجانب لتزيد الضّرر والتّوتّر والظُّلم. ولا يمكن أن تكون حلاًّ للقضيّة بشكل عام ولقضيّة القدس بشكل خصوصيّ.
القدس كنز لجميع النّاس. عليه، فإنّ أيّ ضمّ أو أيّة مطالبة أحاديّة الجانب، أسياسيّة أو دينيّة، ستكون بمثابة نقض لمنطق المدينة الخصوصيّ. مبدئيًّا، يجب أن ينعم جميع سكّان القدس وسيّاحها وحجّاجها، بكل الطرق المتاحة، بفرصة الحوار والتّعايش ساعين إلى الاحترام المتبادل الذي تفرضه مدينة يقدّسها الكلّ. ومع الأسف، يُلحق سلوكنا السّلبيّ بالمدينة كبير الضّرر. القدس مكان ترحيب. ويجب أن تُفتَح مساحاتها لا أن تُغلَق بحواجز. ولقد عانى سكّانها لوقت طويل من هذه التّوتّرات المستمرّة التي عملت على تشويه طابع المدينة وقدسيّتها.
مبدئيًّا، ما من شيء يقدر أن يمنع القدس، في قدسيّتها وأصالتها وطابعها الفريد، أن تستمرّ في أن تكون رمزًا وطنيًّا للشّعبين المطالبَين بأن تكون عاصمة لكلّ منهما. على الإسرائيليّين والفلسطينيّين أن يتوصّلوا إلى حلّ يوافق، إلى حدّ ما، تطلّعاتهم الشّرعيّة ، محترمين مبادىء العدل. إنّ القرارات أحاديّة الجانب، الّتي تغيّر ملامح المدينة وجوهرها، لن تفيد بل تتسبّب بتوتّرات جديدة تزيل إمكانيّة صنع السّلام.
وإذ للقدس مكانة مقدّسة لليهود والمسيحيّين والمسلمين، فهي أيضًا موقّرة مقدّسة لخلق كثير في العالم الّذين يتطلّعون إليها كعاصمة روحانيّة ثقافيّة يزورونها كحجّاج للصّلاة ولقاء إخوتهم في الإيمان.
لا ينحصر الطّابع المقدّس لهذه المدينة في الأماكن المقدّسة، وكأنّها مفصولة عن بعضها وعن حياة الناس ومجتمعهم المحلّي والدّوليّ. بل يشمل هذا الطّابع الفريد المدينة المقدسة بمجملها، أي بمقدّساتها وجماعاتها المؤمنة ومؤسساتها الطّبّية والتّربويّة ونشاطاتها الاجتماعيّة والثّقافيّة.
على عاتق الطّرفَين الفلسطينيّ والإسرائيليّ المحافظة على الطّابع الدّوليّ الحاليّ للمدينة المقدسة، فيعملان جاهدَين كي تبقى ملتقى لليهود والمسيحيّين والمسلمين، وفق عقائد كلّ منهم وعقليّته وتقاليده التي تختلط كلّها، بصورة لا مثيل لها، في هذه المدينة.
لذا، لا يمكن اختزال قضيّة القدس بصراع على الأرض أو بسيادة سياسيّة لأنّ للمدينة المقدّسة طابعًا فريدًا بطبعها. القدس ميراث العالم أجمع. لها دعوة عالميّة ورسالة دوليّة تخاطب من خلالها الملايين من النّاس حول العالم، المؤمنين منهم وغير المؤمنين.
عليه، يجب أن تُراعى كلّ هذه العناصر والمبادىء في أيّ حلّ لقضيّة القدس.
- البطريركيّة اللاّتينيّة – القدس