عظة غبطة الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا
استهلّ غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، زيارته الراعوية إلى مدينة الكرك يوم الجمعة 10 تشرين الأول 2025، والتي استمرّت على مدى ثلاثة أيام حتى الأحد 12 منه، في إطار جولاته الراعوية.
خلال الزيارة، اطّلع غبطته على أوضاع أبناء الرعية وواقع حياتهم اليومية، فزار الكنائس الرسولية وعددًا من المؤسسات التعليمية والاجتماعية، كما التقى العديد من العائلات والمؤمنين، مؤكّدًا في كلماته أنّ "أبناء الكرك يظلون جزءًا أصيلًا من أبرشية القدس، رغم انشغال الأنظار بما يجري في غزة، وهو أمر طبيعي ومؤلم في آنٍ واحد".
استقبال وافتتاح الزيارة
كان في استقبال غبطته الأب علاء بعير، كاهن رعية الكرك، إلى جانب كهنة المحافظة: الأب سالم لولص، كاهن رعية أدر، والأب خالد قموه، كاهن رعية السماكية، بالإضافة لكهنة الكنائس الرسولية الأب يوحنا حماتي، كاهن الروم الأرثوذكس، والأب بولس بقاعين، كاهن الروم الكاثوليك، بالإضافة إلى مجلس الرعية وممثلي الأجهزة الأمنية.
وافتُتحت الزيارة بصلاة الفرض في كنيسة سيدة الوردية، حيث ألقى كاهن الرعية كلمة ترحيبية عبّر فيها عن امتنانه لزيارة غبطة البطريرك، واصفًا إياها بـ"الزيارة التاريخية"، لاسيما وأنها تتزامن مع الذكرى المئة والخمسين لتأسيس الرعية.
توجّه غبطته بعد ذلك إلى زيارة عددٍ من المرضى من أبناء الرعية، حيث منحهم بركته الأبوية وسرّ القربان الأقدس، مشجعًا إياهم على الثقة بالربّ والتمسّك بالرجاء.
وفي إطار زيارته المسكونية، زار غبطته كنيسة الروم الكاثوليك، حيث استقبله الأب بولس بقاعين ومجلس الرعية، مرحبين به بكلماتٍ عبّرت عن التقدير لمحبة غبطته ورعايته:
"يسعدنا أن نراكم بيننا اليوم، ونعبر عن شكرنا العميق لمحبتكم وعطائكم المستمر من أجل الإنسان والإنسانية جمعاء، وأنتم الذين تشاركون قداسة البابا هموم هذا العالم. نسأل الرب أن يمنحكم النعمة والقوة لمواصلة رسالتكم من أجل جميع المتعبين في العالم."
ثم زار غبطته والوفد المرافق له كنيسة القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس، حيث كان في استقباله الأب يوحنا حماتي، الذي أكّد في كلمته على أهمية حضور الكنيسة الجامعة في دعم أبناء المحافظة:
"وجودكم بيننا فرح عظيم وفخر لنا جميعًا. تمر محافظتنا بظروف صعبة من ناحية هجرة المسيحيين، ونحن نثمن جهودكم وسعيكم لإيجاد حلول تُثبّت أبناءنا في أرضهم ووطنهم."
وردّ غبطته قائلاً:
"من المهم بالنسبة لي أن أكون حاضرًا في كل مكان تتواجد فيه كنيستنا وأبناؤها، لأفهم وأستمع إليهم. واجب الراعي الأول هو أن يكون مع رعيّته، وعلينا أن نعمل معًا كمسيحيين لخدمة مجتمعنا الواحد."
كما زار غبطته ديوان عشائر الحباشنة، حيث رحّب به الأستاذ بشّار الحباشنة باسم العشيرة، مؤكّدًا على عمق العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين في الكرك:
"لم نشعر يومًا في الكرك بأننا غرباء عن بعضنا البعض، فنحن في هذه المدينة مسيحيون ومسلمون جسد واحد وتركيبة أساسية لها. نحن أيضًا أبناء مدارس البطريركية في الأردن، وقد وصلت إلينا محبتكم الصادقة. حضوركم هذا فخر لنا في ديوان الحباشنة."
وفي كلمته، عبّر البطريرك عن امتنانه قائلاً:
"الكرك مدينة ذات تاريخ عريق وجذور قوية، ومتى كانت الجذور ثابتة فالشجرة لا تهتز. نحن ككنيسة جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، وما نقوم به من أجل أبنائنا نقوم به من أجل جميع الأطفال. واليوم تعلمت منكم أن هناك دائمًا طريقًا للأمل."
واختُتم اليوم الأول من الزيارة بلقاء غبطته أبناء الرعية ومجلسها والشبيبة، الذين قدّموا شرحًا مفصّلًا عن نشاطاتهم الحالية وخططهم المستقبلية، مؤكدين رغبتهم في تعزيز حضور الكنيسة بين الشباب وخدمتهم في المجتمع.
اليوم الثاني: لقاءات تربوية وإنسانية
في اليوم الثاني، زار غبطته مدرسة وروضة البطريركية اللاتينية في الكرك، حيث استُقبل والوفد المرافق له بالترحيب والأعلام والقهوة الكركية الأصيلة.
رحّبت مديرة المدرسة، الأستاذة هيفاء الزريقات، ومديرة الروضة، الأستاذة شيرين حجازين، برفقة الهيئتين الإدارية والتدريسية بزيارة غبطته، مشيدتين بدعمه الأبوي للمدرسة التي تُعدّ "صرحًا شامخًا له جذور عميقة في تاريخ المدينة"، ومؤكدتين أن مبادرته بإعفاء الطلاب من الأقساط المدرسية "كانت بلسَمًا في ظلّ الظروف الصعبة التي تمرّ بها العائلات".
وقدّم الطلبة فقرات فنية وثقافية عبّروا من خلالها عن محبتهم واعتزازهم بهذه الزيارة.
ثم زار غبطته مركز الكاريتاس والمركز الطبي المتنقل في منطقة جنوب الأردن، حيث اطّلع على الخدمات الإنسانية والطبية التي يقدمها المركز للعائلات المحتاجة، واستمع إلى شرح من السيدة صوفيا نفاع، مسؤولة الوحدة الطبية، والسيد إياد بقاعين، مشرف مركز الكرك، والدكتور عيسى زيادين، حول البرامج والأنشطة المختلفة.
كما زار غبطته المستشفى الإيطالي – الكرك، حيث استقبله مدير المستشفى الدكتور خلف المدانات، وراهبات الكومبوني الأخت أليساندرا فونوجالي والأخت أديل بيرمبيلا، اللتان عبّرتا عن سعادتهما بمرور ٩٠ عامًا على تأسيس المستشفى، مؤكدتين أن رسالته تقوم على خدمة الإنسان بغضّ النظر عن دينه أو انتمائه. وخلال الاستقبال، عبّر الدكتور المدانات عن سعادته العميقة بهذه الزيارة التي تُعدّ مصدر دعم وتشجيع للعاملين في المستشفى.
قداس الذكرى المئوية والخمسين لتأسيس الرعية
في المساء، ترأس غبطة الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا القداس الاحتفالي بمناسبة مرور 150 عامًا على تأسيس رعية سيدة الوردية، بمشاركة كاهن الرعية الأب علاء بعير وجموع المؤمنين. وقد تزامن هذا الاحتفال مع يوم صلاة المسبحة الوردية من أجل السلام في الشرق الأوسط والعالم أجمع، الذي دعا إليه قداسة البابا لاون الرابع عشر.
وفي عظته، شكر غبطته الكهنة وأبناء الرعية على حفاوة استقبالهم، قائلاً:
"أود أن أشكركم فردًا فردًا على هذا الاستقبال الرائع، الذي أتاح لي الفرصة لأرى بعيني ما تعيشونه يوميًا هنا، وأفهم أكثر واقعكم وإيمانكم."
وأضاف مهنئًا أبناء الرعية على التزامهم تجاه كنيستهم، مشيدًا بدور الشبيبة الفعالة فيها:
"علينا أن نفكّر دائمًا في مستقبل شبابنا، فهم حياة الكنيسة واستمرارها. صحيح أننا نضعف أحيانًا، لكن قولنا ’نعم‘ لله يمنحنا القدرة على تغيير العالم، لأنه لا مستحيل مع الله."
وختم داعيًا إلى طلب شفاعة العذراء مريم، سيدة الوردية، لتمنح الجميع الحرية والقوة ليقولوا "نعم" لمشيئة الله دائمًا.
من جهته، عبّر الأب علاء بعير عن شكره العميق لغبطة البطريرك، معتبرًا زيارته "علامة رجاء ودفء أبوي". وقال في كلمته:
"غبطة البطريرك، إن ما تقومون به ليس أمرًا سهلاً، فخدمتكم الراعوية تتطلب تضحيةً كبيرة ورسالةً صادقة. رعية سيدة الوردية اليوم تتألم بسبب الهجرة، ورغم ذلك فهي لا تموت، لأنها رعية وُلدت من الإيمان، والإيمان لا يموت. لذلك نعبّر لكم من أعماق قلوبنا عن فرحنا العميق بوجودكم بيننا، فحضوركم بين أبنائكم في الكرك ليس جديدًا، بل هو امتداد لعطائكم الدائم كراعٍ قريب ومحب."
كما ثمّن قراره بإعفاء طلاب الجنوب من الديون المدرسية، واصفًا إياه بأنه "قرار إنساني وأبوي يعكس قلب الراعي القريب من شعبه".
اليوم الثالث: اختتام الزيارة
اختُتمت الزيارة الراعوية يوم الأحد 12 تشرين الأول بقداس الأحد في كنيسة الرعية، تلاه لقاء مع المؤمنين وزيارات إلى محافظة الكرك وبلدية الكرك الكبرى وقلعة الكرك التاريخية ومتحف الحياة الشعبية.
وفي ختام الزيارة، أكّد غبطته أن ما لمسه في الكرك من إيمانٍ متجذّر وتعاونٍ أخوي بين جميع مكونات المجتمع "يشكّل شهادة حيّة على جمال العيش المشترك وثبات الرجاء رغم التحديات."