غزة – في كل سنة، ومع اقتراب الأحد الرابع للمجيء، ينطلق موكب غبطة البطريرك مع الوفد المرافق له من البطريركية اللاتينية في القدس إلى غزة، من أجل قضاء بعض الأيام مع رعية العائلة المقدسة في غزة، وليلتقي مع أبناء القطاع المسيحيين والمسلمين، وبنفس الوقت لتفقد أحوال الرعية والصلاة معهم بالأحد الرابع للعيد، وتهنئتهم بعيد الميلاد المجيد الذي يطوقون يوماً ما أن يجتمعوا بأخوتهم واخواتهم في فلسطين، في مهد السيد المسيح، للصلاة معهم في كنيسة المهد، مدينة السلام، حيث ولد رئيس السلام.
إلا أن الحرب المريرة التي طال أمدها، حالت دون تحقق هذا التقليد البطريركي لزيارة رعية غزة والاحتفال معها... كما وان مؤمني الأرض المقدسة، امتنعوا عن أية مظاهر خارجية احتفالية بالعيد، مشددين على ضرورة الصلاة إلى الله آملين أن يحل العدل والسلام الشاملين مع حلول عيد الميلاد المجيد.
تعيش الجماعة المسيحية الصغيرة في غزة كعائلة واحدة، متحلين بعلاقات قوية فيما بينهم وبالمجتمع من حولهم أيضاً، مواجهين جميع التحديات بروح الإيمان والرجاء والصمود، ولكن أيضاً من خلال رعاية الأب جبرائيل رومانيللي، كاهن رعية غزة منذ 5 سنين، بالإضافة الى الراهبات والمؤسسات المسيحية الخدماتية والتي تخدم الجميع دون تمييز، أخبرنا غبطة الكاردينال في متابعته لأخبار أبنائنا في غزة، بأن هذه الحرب، زادت من تمسك أهلنا في غزة بكنيستهم وصلاتهم اليومية، لم يفقدوا الرجاء يوماً، رفضوا الهروب من وطنهم وأرضهم، لذا نطلق عليهم فعلاً بأنهم: "ملح الأرض ونور العالم" (متى 5: 13).
بالعادة يزور غبطته أهل غزة مرتين في السنة لتوفير الرعاية لهم كما أشاد في زيارته الرعوية الأخيرة عام 2022 قائلاً على مثال السيد المسيح: " أنا الراعي الصالح، أعرف خرافي وخرافي تعرفني" (يوحنا 10: 14). يقضي وقته خلال إقامته التي تدوم حوالي أربعة إلى خمسة أيام في زيارة العديد من أبناء الرعية للتعرف عليهم والاستماع إلى احتياجاتهم والصلاة معهم مباركاً بيوتهم. في زيارته الأخيرة لعيد الميلاد، خصص يومين كاملين لزيارة العائلات. خلقت هذه الزيارات الرعوية عبر السنين العديد من الذكريات الجميلة والثمينة لغبطته ولأبناء الرعية، مكملاً بذلك، منذ توليه منصب بطريرك القدس، زيارات البطاركة السابقة لرعية غزة. منح غبطته خلال زياراته الماضية سر المناولة الأولى والتثبيت والمعمودية لعدد من أبناء الرعية حتى إنهم ينتظرون زيارته لإقامة هذه الاحتفالات، وخلال زيارته الأخيرة فقط منح غبطته سر التثبيت إلى 10 أولاد وبنات من الرعية وعمد طفلا.
كل عام يقوم أبناء الرعية بتحضير وعرض مسرحية الميلاد، كما ويخصص غبطته دائماً وقت للشبيبة والكشافة، ونذكر أن خلال زيارته الرعوية لعام 2021 افتتح غبطته ملعبا لكرة القدم وكرة السلة ليوفر مساحة للأنشطة المختلفة. وأمر لا بد منه أثناء إقامته في غزة هو زيارة مدرستي البطريركية وراهبات الوردية، متفقداً أحوال الإداريين والمعلمين والعاملين والطلاب. ناهيك عن زيارته إلى مركز راهبات المحبة، اللواتي يقمنّ برعاية الأطفال والمراهقين وكبار السن ذوي الإحتياجات الخاصة، وفي عام 2022 عملت البطريركية على توسيع المركز وقدمت مصعدا للمساعدة في تسهيل الحركة. كما ويقوم غبطته والوفد المرافق له بجولة تفقدية للمشاريع المختلفة التي تمولها المؤسسات المسيحية الأخرى.
إن الطابع خاص والمهم لزيارة غبطة الكاردينال والوفد المرافق إليه الى غزة تؤكد لأبناء الرعية في غزة إنهم ليس لوحدهم بل لهم من ضمن عائلة كبيرة ترعاهم وتهتم بهم، كما أنهم يطوقون ويتحضرون للقائه منذ أشهر استعداداً لهذه الزيارة التي تتجدد فيهم شعلة الرجاء والبركة والحب وتزيد من شعورهم بالإنتماء الى كنيسة الأرض المقدسة.
الألم والمعاناة أمر لا مفر منه في هذه الحياة...ولكن يبقى الأمل... لأن إلهنا هو إله الرجاء (رومة 15:13)، هو إله المستحيلات (متى 19:26) ، لذلك دعونا نتحد في الصلاة والإيمان لنستقبل ميلاد طفل المغارة بروح التواضع، متذكرين أنه تجسد من أجل المساكين ومنكسري القلوب وحتى يحل قيود المأسورين، إنه عمانوئيل: الله معنا (متى 23:1) ويدعونا إلى أن نكون نور في العالم لأن " النُّورُ يُضِيءُ فِي الظَّلامِ، وَالظَّلامُ لَمْ يُدْرِكْ النُّورَ". (يوحنا 1:5) فيستمر عمل الخلاص، ويحل الفرح حيث الحزن والشفاء حيث المرض والنور حيث الظلمة والسلام حيث الحروب.