1 أيلول 2024
الأحد الثاني والعشرون من الزمن العادي ب
تعود بنا ليتورجية الكلمة لهذا الأحد إلى إنجيل مرقس، بعد قراءتنا الأخيرة للفصل السادس من إنجيل يوحنا بأكمله.
يأتي مقطع اليوم من الفصل السابع من إنجيل مرقس، وقد وُضِعَ عن قصدٍ بين روايتي تكثير الخبز، كما أوردها الإنجيلي. تحدث أولى هاتين المعجزتين في أرض إسرائيل، بينما تحدث الثانية في أرض وثنية.
لا يقتصر العبور من ضفة إلى أخرى على العبور الجسدي فحسب، بل أيضًا من حيث العقلية والتفكير.
يعكس الفصل السابع هذا الانتقال، وهو بمثابة مرحلة انتقالية تدعو التلاميذ إلى الشروع في قفزة إيمان وعبور حقيقي.
رأى بعض الفريسيين والكتبة من القدس أن تلاميذ يسوع يأكلون الطعام دون غسل أيديهم فأثار ذلك استياءهم (مرقس 7: 2). فسألوا يسوع عن هذا السلوك الغريب (مرقس 7: 5).
يعكس تساؤلاتهم عقلية دينية سائدة إذ تعتبر بعض الطقوس والشعائر والقواعد شرطًا أساسيًا للقاء الرب.
نجد أن لقاءنا مع الله وعلاقتنا مع العالم يتشكلان من خلال سلسلة من الطقوس. وينشأ هذا الاعتقاد من فكرة أن العالم بنجاسته يمكن أن يلوثنا، مما يخلق حاجة دائمة للتطهير والتجديد.
تهدف المسيرة التي يقود يسوع تلاميذه فيها إلى تحدي هذه العقلية بطريقتين على الأقل.
الطريقة الأولى نجدها في الآية الخامسة عشر (15)، حيث يقول يسوع أنه ما من شيء خارجي يمكن أن ينجس الإنسان إذا دخل فيه، وإنما ما يخرج من القلب هو الذي ينجس الإنسان حقًا.
تؤكد هذه النقطة أن العالم والواقع وعناصره ليست شرًا بطبيعتها، أو أنه يجدر الحذر منها أو تجنبها. لا يكمن المصدر الحقيقي للشر في هذه الأمور الخارجية بل في أعماق قلوبنا.
يحذّرنا يسوع من الوقوع في تجربة البحث عن مصدر الشر خارج أنفسنا ونسبه إلى الآخرين أو إلى عوامل خارجية. إنه يحرّرنا من هذا الوهم.
بمعنى آخر، إن إقامة الحواجز أو خلق مسافات أو استبعاد أشياء أو أشخاص معينين أمر غير كاف، بل يجب مجابهة الشر ومعالجته من الأساس.
أما الطريقة الثانية فتتطرق إلى وهم آخر ألا وهو الاعتقاد بأن الشعائر أو مجرد مراعاة بعض التعاليم وحدها يمكن أن تطهر القلب.
في الآية السادسة (6)، يقدم يسوع دليلًا يشير إلى أن القلب النجس هو القلب البعيد عن الرب، أي الذي يسعى إلى خلاص ذاته، دون أن يثق في خلاص الله.
القلب النجس هو أيضًا القلب الذي يبقى بعيدًا عن الآخرين، وخاصة الفقراء والمتألمين. إنه قلب أناني، منغمس فقط في اهتماماته الخاصة.
لذلك فإن الطهارة المسيحية تتخطى الطقوس والرسميات الخارجية، وتسكن بدلاً من ذلك في روح التضامن الأخوي. فالطهارة الحقيقية تتجسد في القلب الذي يحب بإخلاص.
لا ينبغي لنا أن ننتظر حتى نصبح أنقياء بالكامل كي نطلب الرب ونلتقي به. لن نكون أبدًا مستعدين تمامًا. بل يجب أن نقترب من الرب بكامل ثقل قلوبنا الخاطئة وجهدنا المبذول في سبيل المحبة، لكي يغذينا بكلمة الحق وخبزه الحي، ويجعل من قلوبنا الحَجِرة قلوبًا من لحم.
+ بييرباتيستا