الخميس 30 أيار 2024
عيد جسد الرب ودمه الأقدسين (ب)
عندما خلق الله الإنسان، رأى أنه من الضروري أن يغرس فيه احتياجًا بسيطًا لكنه أساسي، ليكون تذكيرًا دائمًا له بأمر بالغ الأهمية: وهو أنه كائن ذو احتياجات. تجسد هذا الاحتياج في الجوع.
لكي يعيش الإنسان، يحتاج إلى الطعام، فهو بحاجة إلى شيء آخر غير نفسه لإشباع حاجته. خلق الله الإنسان جائعًا منذ اللحظة الأولى لوجوده، وأشار إلى الجوع كصفة إيجابية لأنه يفتح الناس على الثقة، ويعزز القدرة على التلاقي وبناء العلاقات.
الجوع يرافقنا دائمًا، وهو من علامات الحياة. عندما يتلاشى الجوع، يكون ذلك دليلًا على رحيل الحياة وتوقفها عن طلب الغذاء. ما دمنا أحياء، يبقى الجوع مستمرًا. لكن الله لم يقتصر على خلق الإنسان جائعًا، بل خلق الطعام أيضًا، ووعد بأن هذا الطعام لن ينقص أبدًا. يمكن للإنسان أن يثق في هذا لأن الله أب، والأب لا يترك أطفاله دون خبز أبدًا.
كثيرًا ما مرّ تاريخ الخلاص عبر هذا المفترق الأساسي، كاشفًا ما كان في قلب الإنسان. في الواقع، غالبًا ما كان الإنسان مدعوًا للاختيار: إما أن يثق أو لا يثق، إما أن ينتظر خبز الآب، أو أن يحاول الحصول عليه بنفسه. نشأت الخطيئة الأولى عندما فضل آدم وحواء أن يغذيا نفسيهما بدلاً من أن يتغذيا من علاقتهما مع الخالق. وكثيرًا ما نشبت الخلافات بين الإخوة نتيجة هذا السؤال بالذات: هل يوجد خبز للجميع في بيت الآب؟
الإجابة على هذا السؤال تكمن في مقطع إنجيل اليوم (مرقس 14: 12-16، 22 – 26)، الذي يروي قصة العشاء الأخير ليسوع مع تلاميذه. نحن حاضرون الآن في وليمة حيث الخبز والخمر متوفران. أخذ يسوع الخبز وقبل كل شيء شكر الآب، لأنه يدرك أن هذا الخبز هو عطية. الخبز يذكّره بالآب ويذكّره بأن الآب أمين ولا يتوقف أبدًا عن منح الحياة. وبعد أن بارك الخبز، لم يأكل يسوع منه وحده، بل تقاسمه مع تلاميذه حتى يدركوا أن الآب يدبر.
ما يميز هذا الفعل هو أن يسوع يرافقه بكلمة، فيعطي معنى جديدًا للخبز بإعلانه أنه جسده الذي يقدم على المذبح (مرقس 14: 22). الله نفسه هو الخبز الذي يغذي شعبه. إنه أكثر من مجرد غذاء جسدي، فهو يغذي حياة الله فينا، حياة أبناء الله التي وهبنا إياها بالعماد.
ومع ذلك، فإن هذا يتطلب مشاركة التلاميذ: تؤكد العديد من الآيات في هذا المقطع على دورهم الفعّال في إعداد الوليمة، كما يظهر من تكرار الفعل "أعدّوا" ثلاث مرات في الجزء الأول من المقطع. إن مهمة التلاميذ بالغة الأهمية: أن يستعدوا، أي أن يجلبوا الخبز والخمر اللذين يمثلان حياتهم، ليقدِّماها لسيد الحياة عربون النعمة التي نالوها. هذه الحياة التي نقدّمها، يرفعها يسوع نحو الآب لأنها الغذاء الحقيقي لوجودنا، ومنها ننال الحياة الأبدية.
إذا سلّمنا أنفسنا بالكامل للرب دون تحفظ، فلن نُحرم أبدًا من نعمته. لأن كل ما نقدمه للرب سننال به الخلاص. سيأخذها بين يديه ويقدمها للآب حتى نمتلئ من الروح القدس.
الإفخارستيا ليست مجرد لحظة في حياة يسوع: إنها أسلوب حياة. لقد عاش يسوع الإفخارستيا طوال حياته، واضعًا كل خبراته وأفراحه والأحزان التي تسبب بها البشر بين يدي الآب. كان دائمًا يسلّم كل شيء إلى الآب. وفي النهاية، كل شيء بلغ ذروته في هذا السر العظيم، سر التضحية والغفران، وفي هذا السرّ يعود كل شيء إلى الآب من خلال سيدنا يسوع.
+ بييرباتيستا