7 تشرين الثاني 2022 - مؤتمر في مدينة سانتياغو دي كومبوستيلا (إسبانيا)
المؤتمر العالمي السابع لراعوية السياحة
1. الإنسان المسافر
الحج حاجة عميقة في الانسان، متجذّرة في حاجته المستمرة إلى البحث عن مكان. وهو يختبر، بأكثر من شكل، بأن يكون "خارج المكان"، متغيّرًا، وفي مسيرة دائمة في هذا العالم. وبكلام آخر، بعيدًا عن السعادة التامة. متعطّش إلى المطلق، بدويّ حائر، سائح يبحث عن الحقيقة، ومسافرٌ دائمًا أبدًا إلى ما هو أبعد، ولا يتوقّف أبدًا عند حدوده، لأنه في بحث مستمر عن تحقيق ذاته ووجوده: فهو جوهريا إنسان مسافر[1]. وبهذا المعنى، الحج قديم قِدَم الانسان، وينبثق من تديّنه الطبيعي: هنالك منذ القدم، أماكن يعتبرها الناس أماكن خاصّة، وكأنها جسورٌ بين السماء والأرض. ومنذ البدء، المكان المقدس هو محور العالم، باب مفتوح للبحث عن المزيد من الطمأنينة، والحصول على أجوبة وطلب النعم من قوى سامية وسماوية.
لو كان صحيحًا ما قاله بليز باسكال: "تأتي مصيبة البشر من أمر واحد فقط، وهو أنهم لا يعرفون أن يبقوا مرتاحين في غرفة"[2]، فمن المؤكد أيضًا أن الإنسان الذي يعلم أنه يعيش في خيمة مؤقتة، يبحث عن وطنه الحقيقي. فالقلق الذي يدفعه خارج ذاته، نحو المطلق المختلف عنه، هو في النهاية "محرّكه الأساسي".
في عيد المظال العبري، يجب على كل عائلة يهودية أن تبني مظلّة في مكان منفتح، مكّون من سعف نخيل، بحيث تسمح بالتأمّل في النجوم. وفي هذه المناسبة، يتم التذكير بحج الشعب في الصحراء. قوّة الذكرى في تأوينها: فاليهودي لا يمكنه أن ينسى أنه في حالة حج مستمر على الأرض، ويجب أن يعيش كل سنة خبرة الحج هذه في الصحراء. ألاحظ أن بينكم بعض الأشخاص البدو من العرب، والذين تحضّروا الآن، لكنهم يحبّون أن يمضوا أحيانا بعض الوقت تحت الخيم كي لا ينسوا جذورهم!
2. الإله المسافر للإنسان المسافر
يتأسّس الوحي الإلهي على هذا البحث الطبيعي والإنساني والديني للإنسان، ويجدّده ويسمو به. ميّز الفيلسوف اليهودي ليفيناس الفرق بين العقلية اليونانية والعقلية اليهودية من خلال الفرق الجذري بين حجّ أوليس وحجّ إبراهيم. صحيح أن الحج الأول هو حج إلى المجهول والمختلف عن الذات، لكنه يعود في النهاية إلى وطنه وإلى عائلته وإلى ذاته. حج دوريّ. الحج الثاني حج منفتح بالكامل: فابراهيم "يترك وطنه نهائيا إلى أرض غير معروفة بعد (...) ويمنع خادمه من أن يُعيد ابنه إلى نقطة الانطلاق"[3]. لهذا السبب، يدعو الله إبراهيم إلى حج إيمان بهذه الكلمات الصريحة: "انطلق من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك إلى الأرض التي أريك" (تكوين 12، 1).
يعني الحج في التقليد الكتابي – بحسب الجملة التي تُعاد كلازمة في سفر تثنية الاشتراع – الانطلاق إلى المكان "الذي سيختاره الله"[4]. وقد يكون لهذا السبب أن يبقى اسم هذا المكان مجهولا. فالأمر لا يقتصر على مكان مادي محسوس، بل هو مسيرة إلى الله! وليس من سبيل الصدفة أنه، حسب التقليد العبري، "المكان المقدس" الأول هو الله نفسه. ومنذ القدم، كان اسم هيكل القدس هو مكان مسكن الله في العالم، "المقام"[5] أي المكان، وهو اسم سيصبح فيما بعد في التقليد العبري تعبيرًا عن الله، "المكان"[6] بامتياز، كما يقول فيلون الإسكندري (+ 45 م.): "اسم الله هو "المكان"، لأنه يحتوي الكل ولا يحتويه شيء، وهو ملجأ لكل شيء، ولأن العالم هو مكانُه، وهو يحتويه في ذاته ويطوّره"[7].
ومن جهة أخرى، مع أنه يدعو الإنسان إلى حج من أصعب ما يكون – حج منفتح باستمرار وقوّة إلى اللامتناهي الذي هو الله نفسه! – وهو حج غير بعيد أبدًا. يُناقَش اليوم – وبعنف – إن كان يسوع كان مهاجرًا أم لا. الواقع أن ألله – حتى في العهد القديم - عمل أكثر من ذلك. فعندما سكن في خيمة وسط الشعب الحاج في الصحراء، أصبح حاجًّا مع الشعب، بدويا سائرًا. إله مسافر لإنسان مسافر. الله هو الدليل الأول والحقيقي للحجاج! في العهد القديم، الله هو في نفس الوقت دليل الشعب وهدفه. ومكانه الحقيقي. وهذا الأمر سيتحقق كاملا في المسيح المسافر، و"المكان"، والهيكل الذي أصبح جسدا.
3. الحج إلى وجه الله
من المعروف أن فكرة الحج أساسية في الإيمان اليهودي (ومن ثم في الإيمان الإسلامي)، وكان أساسيًّا بشكل خاص زمن يسوع المسيح، عندما كان الهيكل ما زال قائمًا. تصف التوراة (في تثنية الاشتراع 16، 16) الحج إلى القدس بمناسبة أعياد الأسابيع والمظال والفصح بهذه الكلمات: "ثلاث مرات في السنة يحضر جميع ذكرانك أمام الرب إلهك في الموضع الذي يختاره". هذه الجملة هي تفسير لاحق من الكتبة في القرون 7 – 8 م. الذين أضافوا النقاط إلى النص الأصلي. كان النص القديم يقول: "كل ذكرانك يرون وجه الله" (را. عزرا 23، 17). كان المفسرون يصرّون على عدم تشبيه الله بالبشر في النص الذي يقول بكل وضوح أن الحج إلى هيكل القدس يساوي "رؤية وجه الله".
كان هيكل القدس، منذ القدم، يُعتبر على أنه مركز العالم وباب السماء. محور العالم وصرّة العالم [8]، كما كتب، قبل العهد المسيحي، مؤلف كتاب اليوبيل: "جنة عدن هي قدس الأقداس ومكان سكنى الرب. جبل سيناء هو مركز الصحراء وجبل صهيون هو مركز صرّة الأرض: خُلِقت هذه الأماكن الثلاثة كأماكن مقدّسة، الأول قبل الآخر"[9]. يفسر مدراش تالخوما هذا التقليد: "كما أن الصرّة موجودة في وسط الجسم البشري، هكذا توجد أرض إسرائيل في وسط العالم (...) تقع أرض إسرائيل في وسط العالم، وتقع القدس في وسط أرض إسرائيل، ويقع الهيكل في وسط القدس وقدس الأقداس في وسط الهيكل، وتابوت العهد في وسط قدس الأقداس، ويقع حجر الأساس الذي منه تأسس العالم، أمام تابوت العهد"[10]
يعتبر هيكل القدس إذن، رجوعًا إلى سلّم يعقوب في تكوين 28، "المكان بامتياز (آية 10 عارك يعقوب في المكان)، و"حجر أساس العالم"(را. آية 11)، والسُّلّم بين الأرض والسماء والذي يقف الله عليه (آية. 12 – 13)، و"باب السماء" (آية 17)، و"بيت الله" (بيت إيل آية 19). كان قدس الأقداس يُوضع مكان جنة عدن، الجسر بين أورشليم الأرض وأورشليم السماء.
من المعروف أن المسيحيين الأوائل، القادمين من اليهودية، أخذوا هذا التقليد وحوّلوا مركز العالم إلى جبل الجلجلة. في النص العربي للإنجيل المحرّف "مغارة الكنوز"، يُطلب من آدم أن يُدفن في مكان موت وقيامة المسيح: "المكان الذي فيه سيدفن جسدك هو مركز العالم الذي فيه ومنه سيأتي الخلاص لك ولجميع أبنائك (...) أطلق آدم على هذه المغارة اسم "مغارة الكنوز"[11]. يؤكد أوريجينوس هذا التقليد في تفسيره لإنجيل متى (حوالي 245 م.): "دفن جسد الإنسان الأول في نفس المكان الذي فيه صًلب المسيح، بحيث أنه، كما أن الجميع ماتوا في آدم، هكذا يحيون في المسيح (را. 1 كور.15، 22)[12]. التفسير هو أنه في المكان الذي فيه دخل آدم في القبر، مات المسيح، آدم الجديد، ونزل ليُعيد الحياة إلى الإنسان الأول.
4. ثنائية مدينة القدس
الاسم العبري للقدس يأتي في شكل ثنائي، كما لو كان يوحي بوجود قدس أرضية وأخرى سماوية. وليس من قبيل الصدفة أن كتاب الرؤيا ينتهي برؤية القدس النازلة من السماء (الفصل 21 – 22). فالقدس هي "خيمة الله مع البشر" (21، 3) التي تجسّد حجّ الله مع الإسرائيليين في الصحراء، ولها "اثنا عشر بابًا" مفتوحة على اتجاهات العالم الأربعة لأنها المدينة الأم بامتياز (21، 12 – 13)، هي عدن الجديدة (22، 1 – 2). هذا هو هدف أي حج!
نفهم هكذا كيف أن الحج المسيحي، المؤسّس على الحج اليهودي، تطوّر في الكنيسة منذ القرون الأولى، ليس فقط كعمل تقوي، بل، وخصوصًا، كعودة إلى ينابيع الإيمان، وإلى الكتاب المقدس بالتحديد وإلى الوحي التاريخي (أنظر ميليتونه من ساردي، القديس اسكندر من قبادوقيا (أو من القدس)، أوريجينوس، القديس بيونيو من سميرنا، أوزيبيوس القيصري، القيس إيرونيموس)، وكاتصال حي مع ليتورجيا القدس أم الكنائس (إيجيريا)، ومع الحركة النسكية (القديس يوحنا الكاسياني، القديس إيرونيموس، كيريلوس من عكا، يوحنا موسكو)، ومع مدينة القدس الرئيسة[13]، حركة لتعميق الإيمان ومسيرة توبة (خصوصًا في القرون الوسطى).
5. سكان الأرض المقدسة مواطنون في" القدس الأرضية والسماوية"
هل نسينا الكلام عن مسيحيي الأرض المقدسة في غمار كلامنا عن أصل الحج؟ أبدًا! لا بل استطعنا من خلال هذا السرد التاريخي أن نطّلع على عمق هويتهم، وعلى المفارقة الجميلة التي يعيشون فيها، والتي تشكل "صليبهم وفرحهم": أن نكون معلّقين من مدينتين، أرضية وسماوية، أن نولد حيث "الجميع ولدوا فيها" والتي فيها "جميع ينابيعنا" (مزمور 87، 5. 7). وهكذا يشعر مسيحيونا أنهم غرباء في مدينتهم. نموا في كنيسة القدس الأم، وتغذوا وأٌسندوا من الكنيسة الجامعة، ويشعرون أنهم مهمّشون. فخورون بحق أنهم ولدوا في الأماكن المقدسة، لكنهم غالبًا ما يجهلون ممارسة الإيمان في بعض الظروف. هم عرب، لكنهم ليسوا مسلمين. هم فلسطينيون لكنهم لا يقبلون دولة إسلامية. يعلقون الصليب في بيوتهم وفي صدورهم ويرسمونه أحيانًا في أجسامهم، لكنهم يفضلون أحيانًا برأبّا على الصليب، في بحثهم عن عدالة بشرية محضة (مَن منّا لم يفضل في حياته، ولو مرة واحدة، برأبّا على المسيح)[14] ؟ هنالك عدد من المسيحيين يحملون الجنسية الإسرائيلية، لكنهم ليسوا يهودًا. هذا هو حال المسيحيين العرب الإسرائيليين والمسيحيين الناطقين بالعبرية والمهاجرين الكُثُر. وإن أردنا تعقيد الأمور أكثر، نقول إن عددًا كبيرًا من مؤمني الأرض المقدسة مسيحيون لكنهم غير كاثوليك (كثير منهم أرثوذكس)، بينما معظم الكاثوليك لا يتبعون الطقس اللاتيني، بل الطقوس الشرقية. هنالك إذن الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك واللاتين. يمكننا أن نستمر في تعداد المفارقات التي يعيشها مؤمنونا، لكن ما قلنا يكفي لأن نثمّن قيمتهم - فقد حافظوا على الإيمان قرونًا طويلة وسط أغلبية غير مسيحية – وجراحاتهم، وكي نحبهم كإخوة ونشجّعهم عند الحاجة، لكن قبل ذلك يجب تقدير أهميتهم.
كل هذا يقرّب مؤمنينا من الحجّاج وحتى من جميع البشر. فهم أيضًا يعيشون وضعًا هشًّا وغالبًا ما يشعرون أنهم غرباء في وطنهم، لأنهم لا يرون أنفسهم في دولة عبرية أو دولة ذي أغلبية مسلمة، مع أنهم يبحثون عن العيش بسلام ويشكلون مواطنين صالحين. مؤمنو الأرض المقدسة مدعوّون أكثر من أي وقت مضى، إلى قبول الواقع – الجميل والصعب في نفس الوقت – الذي كان يعيشه المسيحيون الأوائل، كما تصفهم الرسالة إلى ديونيسيوس (5،5): يعيشون في وطنهم لكنهم غرباء، يشاركون في جميع الأمور كمواطنين ويتحمّلون كل شيء كغرباء، كل وطن آخر هو وطنهم، وكل وطن غريب".
ترجمنا في النص أعلاه الكلمة اليونانية بارويكوي ب "غرباء" وكلمة رعية تأتي من نفس الأصل اليوناني بارويكوي، الذي يعني إمّا حقيقة ما هو "قريب من البيت" أو إن ما هو قريب من البيت هو في الواقع "بعيد عنه". ومن علامات الأزمنة التي نعيشها اليوم هو أن الرعية التي هي أقرب ما يكون إلى البيت، في جو مسيحي، أصبحت "خارج البيت"، حاجّة في العالم. عُدنا إلى زمن الكنيسة الرسولية حين كان المسيحيون أقلية ضئيلة وسط عالم وثني. وفي وسط كهذا، الكنيسة مدعوّة إلى أن تكون ملحًا ونورًا وخميرة، من الانتباه إلى عدم الوقوع في موقفين متناقضين: البكاء على نفسها من جهة والعمل على إعادة العهد المسيحي في الزمن الماضي من جهة أخرى.
تشكل الكنيسة الكاثوليكية في الأرض المقدسة اليوم أقلية ضئيلة (1،1% من مجموع السكان)، لكنها غنية بالكثير من المبادرات والمؤسسات. هنالك أكثر من مائة مدرسة كاثوليكية، وعدة مراكز للدراسات الكتابية واللاهوتية، وبيوت استقبال وبيوت تأهيل للعديد من أشكال الضعف (مستشفيات، بيوت لذوي الاحتياجات الخاصة، مياتم الخ.) الكهنة الأبرشيّون عرب وعددهم يناهز المائة، وهناك أيضًا ما يقارب الست مائة راهب وألف راهبة يقمون بعمل رائع. كنيسة الأرض المقدس هي كنيسة الأماكن المقدسّة المعروفة عالميًّا ونقطة مركزية للهوية المسيحية لجماعاتنا المنتشرة في البلاد. لا يمكن الفصل بين الأماكن المقدسة والجماعات الكنسية التي تعيش حولها ولا بين المؤسسات التي أوجدتها هذه الجماعات مع مرور الوقت.
هوية الجماعة المسيحية ليست مرتبطة فقط بالأماكن، كما لو كان يمكن فصل بعضها عن بعض، وفصلها عن الجماعات المسيحية. لا شك أن الهوية المسيحية لمؤمني الأرض المقدسة تدور حول الأماكن المقدسة، لكنها تدور أيضًا حول مدارسهم ومستشفياتهم ونشاطاتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. مختصر القول، لا يمكن الفصل بين الأماكن والأشخاص وحياتهم الخاصة.
لا شك أن الحج إلى الأرض المقدسة وإلى القدس بالذات، ينبغي أن يكون عودة إلى ينابيع إيماننا ولقاء مع بشرية المسيح ومكان الوحي التاريخي، لكن يجب أن يصبح أيضًا لقاء مع هذا القسم الصغير من الكنيسة الذي يحافظ على الشهادة المسيحية في هذه الأماكن.
مختصر القول، يعيش المسيحيون المحليون، بالرغم من الأزمات والآلام المتتابعة، وضعًا مميّزًا ينبغي أن يعيشه كافة المسيحيين: وضع أن يكونوا "غرباء" و "حجاج" في هذه الأرض (عبرانيون 11، 13، 1 بطرس 2، 11). بالطبع هذا لا يعني أنه لا يجب أن نعمل بجد كي يحصل المسيحيون المحليون على دولة لهم، وعلى حياة كريمة وهادئة ومجتمع عادل لا يميّز بين المواطنين بأي شكل من الأشكال. هذا يعني بالخصوص أن نقبل دعوة الرب الذي أراد أن يصبح إنسانًا في هذه الأرض المقدسة – والتي كانت حتى في ذلك الوقت مليئة بالنزاعات والصراعات وسرقة الأراضي والظلم الاجتماعي والديني – يعني أن نكون ملحًا ونورًا وخميرة للعالم. ليس المهم أن تكون كمية الملح كثيرة في الطعام، بل ألّا يفقد الملح الموجود طعمَه ويملّح الطعام. لا يجب أن يكون كل شيء نورًا في هذا العالم، بل يكفي نورٌ صغير، لكن يجب أن يُنير بالفعل. ليس ضروريًّا أن نضع الكثير من الخميرة في العجين، يكفي القليل وهو يقوم بتخمير الكل.
هذه يعني أنه من الضروري لمسيحيي الأرض المقدسة أن يعودوا إلى ينابيع إيمانهم، وأن يكونوا أمناء على كلمة يسوع ونعمته، وأن يقوموا بحج إيمان صحيح. يجب إذن العودة إلى الراديكالية الإنجيلية والتي تختلف عن التعصّب. تعني "الراديكالية" العودة إلى جذور معموديتنا وإيماننا، إلى جِدّة المسيح، إلى قلب الإنجيل الذي هو خطاب التطويبات، وبالتالي إلى محبة الأعداء، إلى مركز هويتنا المسيحية الذي هو سر المسيح الفصحي، إلى الطبيعة الإلهية التي وهبنا إياها بواسطة الروح القدس والتي تجعل منا خليقة جديدة، قادرين على المحبة حتى بعد الموت.
في النهاية، القدس مرآة لما نحن عليه. لا ينبغي أن نتشكّك بسبب جراحات القدس وتناقضاتها وحتى خطاياها. فالحاج "البريء" يضطرب لدى رؤية انقسامات وخطايا القدس، يكفي أن يدخل كنيسة القسامة! بينما الحاج "الواعي" يعلم أن "ثنائية" القدس – الأرضية والسماوية – هي ثنائيتُه هو أيضًا. أما نحن الذين نعيش في القدس الأرضية، فنحن مليؤون بالفوضى والتناقضات والظلم المتبادل الخ. ومع ذلك، هذه هي القدس التي اختارها الله، كما اختارنا نحن، كي يبدّل جراحاتنا ويُظهر فينا القدس السماوية، كي نصبح، في خيمتنا هذه الهشة، هيكلاً حيًّا لليوم القدس، مكان سكنى الله بين البشر، جسرًا بين السماء والأرض، بين القدس الأرضية والقدس السماوية "الحرّة وأمنا جميعًا" (غلاطية 4، 26).
[1] أنظر مارسيل ج. الإنسان المسافر، كلام في ماورائيات الأمل، تورينو 1967.
[2] باسكال ب, أفكار رقم 205 (139) في شيفيليير: أعمال باسكال، باريس 1936، 875.
[3] ليفاناس ا. "آثار الآخر" في "اكتشاف الحياة مع هوسير وهايدجر، ميلانو 1998، 219.
[4] را. تثنية الاشتراع 12، 5، 11،14، 18، 21، 26 و 14، 25 و 15، 20 و16، 2، 6-7، 11 و 17،8،10 و 18، 6 و 26، 2.
[5] هكذا في الملوك الأول 8، 29، عزرا 5، 15 و 2 مكابيين 1، 29 و 2، 18، و 3، 2 و 8، 27 و 13، 24.
[6] انظر ا. مارمورشتاين، العقيدة العبرية القديمة عن الله، 1، أسماء الله وصفاته (10 لندن 1927، 92. أي أي أوبراخ، الحكماء، أفكارهم ومعتقداتهم، 6 القدس 1975، 63 - 79
[7] فيلون، سام 1، 61 -63 (ترجمتنا).
[8] كان الباىبليون يعتبرون أن "بيت الله" هو مركز العالم بينما كان الإغريق يعتبرون أن صرّة العالم موجودة في الجزء الداخلي من هيكل أبولو في مدينة ديلفي.
[9] يوب. 8، 19. 1 هين 26، 1-2 يصف "الجبل المقدس" و " المكان المبارك" (المقصود هيكل القدس) بعبارة "مركز الدنيا" (را. أنت. 3، 180 – 185، وفيلون 281 . 294. فلاك 46، يعتبرها "المدينة الأم " و"عاصمة العالم".
[10] أنظر تان قدوشيم 10، را. ب. سان 37 ا
[11] مغارة الكنوز (النص العربي)، 96 أ، 11 – ا 14، 16 – 18)، 96 ب، 7-8، مغارة الكنوز (مس. أور) 5، 10 -11)
[12] أوريجينوس، تفسير متى 126
[13] إيجيريا، الحج، 47، 3 – 4، تقول إيجيريا أنه في كنيسة القيامة كان الوعظ يتم باللغة اليونانية، مع مترجم إلى اللغة السريانية (الأرامية). ومع أن كان أساقفة القدس منذ عام 451 من اليونان، كان الشعب يتألف من منابت مختلفة: كان هنالك يونان وعرب وسريا أراميون، وأنباط وسامريون ومؤابيون الخ. كانت الأماكن المقدسة تشكل دعوة للكثير من الحجاج والنساك للقدوم والسكن في الأرض المقدسة، ومق أصبح بعضهم رهبانًا وراهبات. ففي جبل الزيتون على سبيل المثال، كان هناك رهبان يصلون باللغة اليونانية والجيورجية والسريانية والأرمنية واللاتينية والعربية!
[14] أنظر محاضرة للبطريرك عن المغفرة في موقع البطريركية اللاتينية.