Logo
تبرع الآن

المطران بيتسابالا: "الحوار ليس مجرد كلمة! يحتاج الحوار أن يوضع موضع التنفيذ"

"الأرض المقدسة والشرق الأوسط، الأحداث الراهنة والآفاق المحتملة"

مقابلة - نضع بين أيديكم نص بعض المواضيع التي أخذت من المقابلة التي أجراها رئيس الأساقفة المطران بييرباتيستا بيتسابالا، المدبر الرسولي للبطريركية اللاتينية، في روما الأربعاء ٢١ تشرين الأول ٢٠٢٠، والتي كان عنوانها "الأرض المقدسة والشرق الأوسط، الأحداث الراهنة والآفاق المحتملة".

التعايش

"لطالما عشنا سويًا في الأرض المقدسة وما زلنا، مسيحيون ومسلمون ويهود. وعليه، لا يعد هذا أمرًا جديدًا، ولطالما تميزت الأرض المقدسة بقدرتها على العيش والتعايش المشترك والوئام، كما واضطرت إلى التكيّف مع الصعوبات الناجمة عن هذا الوضع. عندما نكون سويًا نختبر اللحظات الجميلة ولكن الصعبة أيضًا وخاصة حين تُثار المواضيع السياسية. إن الأرض المقدسة معروفة بهذا الأمر. على أرض الواقع، نجد ونرى فرصًا عديدة لكي نعيش ونتحد سويًا. أما على المستوى المؤسسي فهذا الأمر أكثر صعوبة قليلًا. لقد رأينا في السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط عواقب هذه الصعوبات الناتجة عن تعصّب قديم لا يزال قائمًا، والذي ينبغي علينا حمله كنوع من العبء. وما علينا أن نقوم به الآن هو التخلص من هذه الأفكار النمطية والتعصب. علينا التخلص من هذه الأمور كي لا تكون حجر عثرة أمامنا. كي نحقق التعايش، علينا أن نقوم بكل ما وسعنا كي لا يكون العيش المشترك أمرًا نخضع له بل نحتضنه عبر نهج إيجابي. يتحقق هذا الأمر من خلال المدارس والنشاطات المختلفة التي تشمل الناس جميعًا.

إن جميع اللقاءات ما بين الأديان التي جرت في روما وأسيزي وأبو ظبي هي موضع ترحيب بالغ، إلا أن ما ينتج عنها يجب أن يوضع موضع التنفيذ في حياتنا اليومية الأمر الذي يتطلب الالتزام والقيادة والتدريب، وحتى التصرّف بطريقة نبوية في المدارس وليس فقط في المؤسسات العليا. علينا أن نعزز هذه العقلية في المدارس والمستشفيات. إنها ليست مهمة سهلة ولكن علينا القيام بها."

الحوار

"الحوار ليس مجرد كلمة! يحتاج الحوار أن يوضع موضع التنفيذ وإلا سيبقى شعارًا فقط. هذا ما نحاول القيام به في مدارسنا والمؤسسات المسيحية والمستشفيات التي هي أماكن متاحة للجميع حيث يسود هذا الحوار. إنه جزء من خبرتنا. أعتقد أننا بكوننا معًا ستنشأ الصداقات وعليه سيُعزز الحوار حيث لا يكون هذا الحوار أمرًا مجرّدًا بل يمكن العمل به عبر العيش معًا."

رسالة البابا فرنسيس "كُلنا أخوة"

"أعتقد أن هذه الرسالة، التي تدعونا بالأخوة، تحوي جميع تعاليم البابا فرنسيس؛ البيئة والحوار وملاقاة الآخر. أعتقد أن الأخوّة تجمعنا سويًا وتمثّل قاسمًا مشتركًا لجميع المواضيع التي يتكلم عنها البابا فرنسيس، وما يقوله هو صحيح تمامًا."

كيف يمكننا الخروج من كل المصائب التي تصيب الشرق الأوسط، في الأرض المقدسة ولبنان وسوريا وما رأيك بالاتفاقية التي أُبرمت بين إسرائيل والإمارات؟

"إن علمت الإجابة على هذا السؤال لحَصلت على جائزة نوبل! ليس التوصل إلى حل أمرًا سهلًا، فثمة تباين بشأن هذه القضايا المهمة. لقد عزلت الاتفاقية التي أُبرمت بين إسرائيل والإمارات، والتي روّجت لها الإدارة الأمريكية، الفلسطينيين أكثر فأكثر. لم تَعد القضية الفلسطينية على الأجندة الدولية وأصبح الفلسطينيون أكثر عُزلة إزاء العالم العربي. لقد أحزن هذا الأمر الفلسطينيين. يعد هذا الأمر نهاية حقبة معينة. يجب التفكير في كيفية المضي إلى الأمام. التوازن بين العلاقات في الشرق الأوسط في تغيّر إلا أني متأكد أنه بدون حل واضح يحفظ كرامة الفلسطينيين، فلن يكون استقرار في الشرق الأوسط.

بالرغم من عدم وجود القضية الفلسطينية على الأجندة الدولية إلا أنها لا تزال قائمة. ثمة ملايين الفلسطينيين الذين ينتظرون معرفة مستقبلهم كشعب. تعد القضية الفلسطينية جزءًا من الحالة في الشرق الأوسط التي تتطور باستمرار في سوريا ولبنان. كما يشير وجود أردوغان إلى كيفية تغيّر الحالة في الشرق الأوسط. إن الأطراف البارزة هي تركيا والإمارات مع السعودية وإيران. كما تعد لبنان وسوريا والعراق ساحات معركة لهذه الأطراف. دعونا لا ننسى أيضًا روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين.

الدور الأوروبي...

"حتى الآن تنشغل أوروبا بمشاكلها لدرجة أنها نسيت الأجندة الدولية. تقف أوروبا على الهوامش منذ فترة طويلة، كما ولم تتخذ أي موقف في الأحداث الأخيرة."

السلام طويل الأمد وحل الدولتين

يمثل حل الدولتين نقطة الانطلاق والحل الوحيد الممكن. لا يمكن القول للفلسطينيين إن ليس لهم الحق في أرض ووطن لهم. كيف يمكن تحقيق هذا الحل آخذين بالاعتبار الحالة السياسية الراهنة؟ يصعب القول إن حل الدولتين لم يعد ممكنًا. لا يمكن قول ذلك. في الوقت نفسه، يتساءل المرء عن كيفية تحقيقه. في الوقت الراهن، يصعب تحقيق هذا الأمر لعدم وجود أي حوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كما ولا يوجد أي ثقة. كما يقتصر حضور الأطراف الدولية على إصدار البيانات من وقت لآخر، بالإضافة إلى بعض الدعم المالي للفلسطينيين. وعليه، تعد هذه الحالة معلّقة بطريقة ما إذ يتخذ الجميع موقف الانتظار والترقب.

علينا توجيه أنظارنا إلى المستقبل. إن التحدث عن السلام بين الطرفين اليوم وفي هذا السياق يعد أمرًا غير واقعيًا. أريد حقًا أن أرى إحلال السلام إلا أنه ينبغي أولًا أن نتبنى أعمالًا تبني الثقة والطمأنينة بين الطرفين، فالآن لا يوجد أية ثقة أو طمأنينة، بل جدار يفصل بين الطرفين يدل على عدم وجود أي أفق للمستقبل. كما لا يمكننا تحقيق ذلك بين ليلة وضحاها. يحتاج الأمر إلى رؤية وقيادة وهذا أمر لا نملكه الآن. وعليه، علينا البدء من الصفر والتعلم من الماضي وأخطائه. إننا بحاجة إلى قادة من الجانبين يتمتعون برؤية. ما نستطيع القيام به الآن هو العمل على المستوى المحلي، في المدارس والمستشفيات والمراكز الثقافية.

الانتخابات الأمريكية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي

"لطالما كان للانتخابات الأمريكية أثرًا كبيرًا على الأرض المقدسة وخاصة على إسرائيل والحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية. أعتقد أن إدارة ترامب قد انصب تركيزها على الحكومة الإسرائيلية فثمة تحالف قوي بينهما.

كما أعتقد أنه من الضروري والصعب أيضًا إعادة ثقة الفلسطينيين بالإدارة الأمريكية. في السنوات الأخيرة، حطمت سياسات الإدارة الأمريكية ثقة السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني. وعليه، فإن إعادة بناء هذه الثقة سيتطلب وقتًا وإجراءات حاسمة. ثمة تباين بين البيانات التي تصدر قبل الانتخابات وما يتم القيام به بعد ذلك. سنرى ما سيحصل إلا أن الأمر لن يكون سهلًا."

جمعية فرسان القبر المقدس وخدمتها في الأرض المقدسة

"في الماضي، سمعت عن فرسان وسيدات القبر المقدس بطريقة غير مباشرة. أما اليوم، وبصفتي مدبرًا رسوليًا للبطريركية اللاتينية، فقد ازدادت معرفتي بهم. لقد رأيت فيهم قربًا واهتمامًا ومحبة للأرض المقدسة، وهذا كله عبر تنظيم رحلات الحج وزيارة الرعايا والأماكن التاريخية بالإضافة إلى دعم الجمعية للمدارس والمستشفيات والنشاطات المختلفة في الأرض المقدسة، وخاصة في الأوقات الصعبة والحرجة.

خلال فترة الإغلاق الناتج عن الوضع الوبائي، أصدرت البطريركية مناشدة، إلا أني وبكل صدق لم أرى يومًا فعالية هذه المناشدات وذلك لكثرتها وعدم اكتراث الناس بها. لقد وجّهنا المناشدة إلى الفرسان لمساعدة آلاف العائلات التي أصبحت عاطلة عن العمل جراء تداعيات فيروس كورونا. إلا أن الاستجابة لهذه المناشدة فاقت جميع توقعاتنا وتمكنا من خلالها مساعدة العائلات.

كيف يمكن التعايش مع غير المسيحيين وفقًا للقديس فرنسيس الأسيزي؟

لقد أوصى القديس فرنسيس الرهبان الذين كانوا متجهين إلى الأرض المقدسة ألا يبحثوا عن الجدال والمنازعات وأن لا يفرضوا أفكارهم على الآخرين. كما وذكّرهم أن الشهادة المسيحية، قبل أن تكون إعلانًا للكلمة، يجب أن يعيشها الإنسان. 

وما بعد وثيقة أبو ظبي…؟

"سبق وكررت أن لا زلنا في بداية هذه المسيرة. عند تنظيم مناسبة كهذه، كان علينا أن ننظر إلى الوراء ٨٠٠ سنة إلى القديس فرنسيس كي نجد حدثًا مماثلًا للقاء الذي حصل في أبو ظبي. وهذا دليل على تاريخنا المشترك. إن ما حصل هو بداية عملية معقدة لأهمية هذه الأحداث التي يجب أن تحمل ثمرًا في حياة الآلاف من الناس. سيأخذ هذه الأمر وقتًا طويلًا. تُعد هذه خطوة كبيرة في مسيرة طويلة ونرغب أن نكون جزءًا منها."